تعزيز التسامح

Georgian_and_other_United_Buddy_Bears

بمناسبة العيد الخمسين لليونسكو الموافق في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1995، اعتمدت الدول الأعضاء إعلان مبادئ بشأن التسامح يؤكد، من جملة أمور أخرى، على أن التسامح لا يعني التساهل أو اللامبالاة، بل هو احترامٌوتقديرٌ للتنوع الغني في ثقافات عالمنا وفي أشكال التعبير والتصرفات البشرية. فالتسامح يعترف بحقوق الإنسان العالمية وبالحريات الأساسية للآخرين. ولما كان الناس متنوعين بطبيعتهم، وحده التسامح قادرٌ على ضمان بقاء المجتمعات المختلطة في كل منطقة من العالم.

ويصف الإعلان التسامح بأنه ليس واجبًا أخلاقيًا فحسب، وإنما هو ضرورة سياسية وقانونية أيضًا تقع على عاتق الأفراد والجماعات والدول. كما يربط بين التسامح والصكوك الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والتي وضعت خلال السنوات الخمسين الماضية ويشدد على واجب الدول في صياغة تشريعات جديدة عند الضرورة لضمان المساواةفي المعاملة وتكافؤ الفرص لكل فئات المجتمع وأفراده.

وحيث أن التمييز والتهميش، إلى جانب الظلم والعنف المحض، يعتبران من أشكال التعصب الشائعة، يجب أن تهدف التربية من أجل التسامح إلى درء التأثيرات التي تؤدي إلى الخوف من الآخرين واستبعادهم. كما ينبغي أن تساعد الشباب على تنمية قدراتهم على إصدار الأحكام المستقلة والتأمّل الناقد والتفكير الأخلاقي. فتنوع الديانات واللغات والثقافات والإثنيات المتعددة في عالمنا ليس حجة لنشوب الصراعات بل هو كنزٌ نغتني منه جميعنا.

كيف يمكن مواجهة التعصّب؟

1)  مكافحة التعصّب تستدعي القوانين:

كل حكومة مسؤولة عن إنفاذ قوانين حقوق الإنسان وعن حظر جرائم الحقد والتمييز بحق الأقليات والمعاقبة عليها، سواء ارتُكبت على يد مسؤولين في الدولة أو منظمات خاصة أو أفراد. كما يجب على الدولة أن تضمن تساوي الجميع في إمكانية اللجوء إلى القضاء ومفوضي حقوق الإنسان أو أمناء المظالم، وذلك لمنع الأفراد من إحقاق العدالة بأنفسهم واللجوء إلى العنف لتسوية خلافاتهم.

2)  مكافحة التعصّب تستدعي التربية:

صحيح أن القوانين ضرورية ولكنها لا تكفي لمواجهة التعصب في المواقف الفردية. فغالبًا ما يكون التعصب متجذرًافي الجهل والخوف: الخوف من المجهول، من الآخر، من الثقافات والأمم والديانات الأخرى. كما يرتبط التعصب ارتباطًا وثيقًا بشعور مفرط بالثقة بالنفس والغرور، سواء أكان شخصيًا أو وطنيًا أو دينيًا. وهذه المفاهيم تدرَّس وتُكتَسب في سن مبكرة. لذلك، لا بد من التشديد بشكل أكبر على توفير نسبة أكبر ودرجة أفضل من التعليم. ويجب كذلك بذل جهود إضافية لتعليم الأطفال عن التسامح وحقوق الإنسان وسبل العيش الأخرى. وينبغي تشجيع الأطفال، في المنزل كما في المدرسة، على التحلي بالانفتاح والفضول.

التربية تجربة تستمر مدى الحياة وهو لا يبدأ أو ينتهي في المدرسة. ولن تتكلل مساعي بناء التسامح عبر التربية بالنجاح ما لم تصل إلى مجمل الفئات العمرية وتحصل في كل مكان: في المنزل والمدرسة ومكان العمل وفي مجال إنفاذ القانون والتدريب القانوني، وأخيرًا وليس آخرًا في حقل الترفيه وعلى الطرق السريعة للمعلومات.

3)  مكافحة التعصّب تستدعي النفاذ إلى المعلومات:

يبلغ التعصب أوج خطورته حين يتم استغلاله لتحقيق الطموحات السياسية والمطامع الجغرافية لفرد ما أو لمجموعة من الأفراد. وغالبًا ما يبدأ المحرضون على الكراهية بتحديد عتبة التسامح لدى الشعب، ثم يبتكرون حججًا واهية ويلفّقون الإحصائيات ويتلاعبون بالرأي العام من خلال نشر المعلومات المغلوطة والأحكام المسبقة. والوسيلة الأكثر فعالية للحدّ من تأثير هؤلاء المحرضين تتمثل بتطوير سياسات تولد وتعزز حرية الصحافة وتعددها من أجل السماح للجمهور بالتمييز بين الوقائع والآراء.

4)  مكافحة التعصّب تستدعي الوعي الفردي:

التعصب في مجتمع ما هو حصيلة التعصب الموجود في نفوس أفراده. ويعتبر التزمت والتنميط والوصم والإهانات والدعابات العنصرية خير أمثلة على سبل التعبير الفردية عن التعصب الذي يتعرض له بعض الأشخاص كل يوم. فالتعصب يولّد التعصب، وهو يترك ضحاياه متعطشين للثأر. من هنا فإن مكافحة التعصب تستدعي من الأفراد أن يعوا الرابط بين تصرفاتهم والحلقة المفرغة لانعدام الثقة والعنف في المجتمع. ويجب على كل فرد في المجتمع أن يبدأ بطرح هذا السؤال على نفسه: هل أنا شخص متسامح؟ هل أعمد الى تنميط الأشخاص؟ هل أنبذ الأشخاص المختلفين عني؟ هل ألومهم على مشاكلي؟

5)  مكافحة التعصّب تستدعي الحلول المحلية:

يدرك الكثيرون أن مشاكل الغد ستأخذ طابعًا عالميًا أكثر فأكثر لكن قلةً من الناس تعي أن حلول المشاكل العالمية تبدأ بشكل أساسي على الصعيد المحلي لا بل الفردي. فعندما نواجه تصعيدًا في التعصب من حولنا، لا يجدر بنا انتظار الحكومات والمؤسسات لتتحرك بمفردها، إذ أننا نشكل جميعنا جزءًا من الحل. ولا يجدر بنا أن نشعر بالعجز، لأننا نملك في الواقع قدرة هائلة على ممارسة النفوذ، ويعتبر العمل السلمي إحدى الوسائل لاستخدام هذا النفوذ، أي نفوذ الشعب. فأدوات العمل السلمي – من حشد مجموعة من الأشخاص لمواجهة مشكلة، وتنظيم شبكة شعبية، إلى إبداء التضامن مع ضحايا التعصب، وتكذيب الدعايات المغرضة – موجودة في متناول كل من يرغبفي وضع حد للتعصب والعنف والحقد.